فسيفساء ترمب الجمركية- تعقيد متزايد وتحديات للاقتصاد العالمي

تشهد السياسة التجارية الأمريكية تحولًا ملحوظًا، حيث تعود الرسوم الجمركية إلى الواجهة، ولكن هذه المرة بصورة أكثر تعقيدًا وتنوعًا. وفقًا لتحليل مُفصل من "مورجان ستانلي"، تتخذ الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب شكل "لوحة فسيفسائية" متشابكة، تختلف فيها المعاملة من دولة إلى أخرى ومن سلعة إلى أخرى، وهو ما يمثل ابتعادًا عن النهج الشامل الذي بدأ به.
منذ عودته إلى السلطة، انتهج ترمب سياسة جمركية تعتمد على فرض رسوم متباينة على الواردات، مع التركيز على دول وقطاعات معينة. ففي حين بلغ متوسط الرسوم الجمركية الفعلية على الواردات في عام 2025 حوالي 16%، وهو ما يزيد بخمسة أضعاف المعدل الذي كان مسجلًا في بداية ولايته الأولى (3%)، إلا أن هذه الرسوم لا تطبق بصورة متساوية على الجميع، كما ذكرت "فورتشن".
توضح مونيكا غيرا، رئيسة قسم السياسات الأمريكية في "مورجان ستانلي ويلث مانجمنت"، أن هذه السياسة الجمركية تتسم بكونها "أكثر دقة وتفصيلًا" من السياسات السابقة، حيث تتباين نسب الإعفاء الجمركي بين الدول المختلفة. على سبيل المثال، تحصل 21% من الواردات العالمية إلى الولايات المتحدة على إعفاء من الرسوم، بينما تحصل 30% من واردات الاتحاد الأوروبي، و42% من واردات فيتنام، و64% من واردات ماليزيا على نفس الإعفاء.
في الوقت الذي تُفرض فيه رسوم انتقامية على نصف السلع المستوردة من اليابان و30% من السلع المستوردة من كوريا الجنوبية، يبرز قطاع السيارات وقطع الغيار كمركز أساسي في هذه الحرب التجارية المعقدة. ويتم كل ذلك بأسلوب "تدريجي" ومتغير، حيث يتم تأخير بعض الرسوم، وإعادة صياغة البعض الآخر، في ظل اتفاقيات متجددة.
تحذر غيرا من الآثار غير المتوقعة لهذه السياسة على الاقتصاد العالمي، وتشير إلى أنه من المرجح أن تستمر معدلات التعريفات الجمركية المتوقعة في الارتفاع. وقدّم فريقها توقعات مفصلة، استنادًا إلى تحصيلات التعريفات الجمركية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تشير إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية قد تجمع ما يصل إلى 2.7 تريليون دولار من التعريفات الجمركية على مدى السنوات العشر القادمة.
تبرز الطبيعة التفصيلية للسياسة التجارية الأمريكية في عهد ترمب بوضوح في الإعفاءات المختلفة والمتفاوتة الممنوحة لمختلف الشركاء التجاريين. وقد أشار محللو "مورجان ستانلي" إلى هذا التحول الجذري من التعريفات الشاملة التي كانت سائدة في الفترات السابقة، مما يجعل تقييم السوق للفائزين والخاسرين أمرًا أكثر تعقيدًا وصعوبة.
حذرت "مورجان ستانلي" من أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 10% منذ بداية العام، بالتزامن مع ارتفاع الرسوم الجمركية، سيؤدي إلى زيادة تكلفة الواردات، مما يزيد من الضغوط التضخمية وقد يضغط على أرباح الشركات إذا لم يتم نقل هذه التكاليف إلى المستهلكين.
على الرغم من تباطؤ التضخم مؤخرًا نتيجة لانخفاض أسعار الطاقة وتراكم المخزونات، تشير الأسواق إلى توقعات قوية بارتفاع جديد في معدلات التضخم. فقد بلغت توقعات التضخم خلال العام المقبل 3.43%، وهو نفس المستوى الذي سجل في أبريل عندما أعلن ترمب تفاصيل خطته الجمركية ضمن ما وصفه بـ"يوم التحرير".
تشهد إيرادات الرسوم الجمركية ارتفاعًا ملحوظًا، ولكن الثمن باهظ. فمنذ انطلاق جولة الرسوم الجمركية الجديدة في ربيع هذا العام، ارتفعت الإيرادات الشهرية الأمريكية إلى 22.3 مليار دولار، مقارنة بمتوسط 5 مليارات دولار خلال السنوات الخمس الماضية. وتتوقع "مورجان ستانلي" أن تصل العائدات إلى 2.7 تريليون دولار خلال عشر سنوات، لكنها تحذر في الوقت نفسه من تقلبات حادة تجعل التوقعات طويلة الأمد غير مؤكدة.
على الرغم من استفادة قطاع التكنولوجيا من ضعف الدولار بسبب اعتماده على 58% من الإيرادات الخارجية، تواجه قطاعات أخرى ضغوطًا متزايدة على هوامش أرباحها نتيجة لارتفاع التكاليف. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة، وخاصة تلك المرتبطة بسلاسل إمداد عالمية، فتواجه تحديات تشغيلية وتسعيرية متزايدة.
في ظل هذا المشهد المعقد، وصفت "مورجان ستانلي" بيئة التجارة الأمريكية بأنها "ديناميكية ومتقلبة للغاية"، محذرة من أن التعقيد المتزايد في سياسة ترمب الجمركية يفرض حالة من عدم اليقين الشديد، يدفع ثمنها في نهاية المطاف المستهلك الأمريكي من خلال ارتفاع الأسعار.